‫المرصد االقتصادي‬ ‫لمنطقة الخليج‬ ‫العدد األول‪ ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪2017‬‬ ‫مقدمة‬ ‫شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحوالت جذرية في السنوات األخيرة في ظل انخفاض أسعار الطاقة العالمية والمنافسة‬ ‫من منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أدت الجهود العالمية للتصدي لتغي‬ ‫ُّر المناخ إلى خلق‬ ‫حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن اآلفاق المستقبلية لجميع البلدان المصد‬ ‫ِّرة الطاقة‪ ،‬بما فيها دول مجلس التعاون‪ ،‬على‬ ‫المدى األبعد‪ .‬ووسط هذه المستجدات اضطر واضعي السياسات إلى النظر مجددا في إجراء إصالحات هيكلية أطول أجال‬ ‫بهدف وضع المالية العامة على مسار مستدام‪ ،‬وإلرساء األسس لتنويع االقتصاد على األمد األطول‪.‬‬ ‫ولتسليط الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجه المنطقة وتحفيز النقاش بين واضعي السياسات وغيرهم من القر‬ ‫ّاء حول‬ ‫أفضل السبل لمواجهة هذه التحديات‪ ،‬قررت مجموعة البنك الدولي إصدار المرصد االقتصادي لمنطقة الخليج‪ ،‬وهو سلسلة‬ ‫من التقارير نصف السنوية عن دول مجلس التعاون الخليجي‪ .‬ويلقي هذا اإلصدار األول‪ ،‬الذي يغطي التطورات االقتصادية‬ ‫في المنطقة حتى األول من يونيو ‪/‬حزيران ‪ ،2017‬نظرة فاحصة على أحدث المستجدات االقتصادية واآلفاق قصيرة األمد‬ ‫لدول الخليج ("نبض المنطقة")‪ .‬ويشتمل أيضا على توقعات خاصة بكل دولة من دول الخليج وقسم تحليلي ("تحت المجهر")‬ ‫يستكشف أولويات اإلصالح الهيكلي في المنطقة‪.‬‬ ‫يصف هذا المرصد منطقة بدأت تشهد بوادر انتعاش يساعدها في ذلك حدوث ارتفاع جزئي في أسعار الطاقة العالمية خالل‬ ‫العام الماضي‪ .‬ويوفر هذا التأثير اإليجابي على المالية العامة‪ ،‬إلى جانب الجهود السابقة لضبط أوضاعها‪ ،‬الحيز الالزم‬ ‫لكي تقوم الحكومات بإبطاء وتيرة التقشف المالي وكذلك زيادة ثقة المستثمرين‪ .‬وبناءً عليه‪ ،‬ي‬ ‫ُتوقع أن يرتفع معدل النمو‬ ‫الكلي في دول مجلس التعاون الخليجي من ‪ %1.3‬عام ‪ -2017‬وهو أدنى معدالته منذ عام ‪ -2009‬إلى ‪ %2.6‬عام ‪2019‬‬ ‫مدعوماً بتزايد تدريجي في نشاط القطاع غير النفطي واستقرار أسعار النفط قرب المستويات الحالية‪ .‬كما أن عجز‬ ‫الموازنة والحساب الجاري آخذ في االنخفاض‪ ،‬إال أنه من المستبعد أن تعود دول المجلس إلى تحقيق فوائض بأكثر من ‪%9‬‬ ‫كما كان عليه الحال في السنوات التي شهدت ارتفاع أسعار السلع األولية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ال تزال هناك مخاطر سلبية كبيرة تلوح في األفق‪ .‬وتشمل هذه المخاطر تجدد الضعف أو التقل‬ ‫ُّبات في أسعار‬ ‫النفط العالمية‪ ،‬أو التأثيرات غير المباشرة للتوترات الجيوسياسية على أسواق السلع األولية واألسواق المالية‪ ،‬أو كليهما‪ .‬وقد‬ ‫يؤثر أي تقييد مفاجئ في السيولة المالية العالمية أو اضطراب األسواق المالية على تكلفة التمويل لمنطقة مجلس التعاون‬ ‫الخليجي التي ال تزال احتياجاتها التمويلية ضخمة‪.‬‬ ‫ربما أن تنفيذ اإلصالحات الهيكلية ومواصلتها سيشكل التحدي األكبر على الصعيد المحلي‪ .‬فمع انخفاض الضغوط على‬ ‫الموازنة‪ ،‬يتحول اهتمام السياسات من خفض المصروفات في الموازنة إلى إجراء إصالحات أكثر عمقا‪ .‬وكما هو موضح‬ ‫في القسم المعنون "تحت المجهر"‪ ،‬تشمل اإلصالحات الرئيسية للموازنة والقطاع العام تحسين إدارة الثروة الهيدروكربونية‬ ‫لحماية الموازنة من تقلبات أسعار الطاقة وتعزيز استدامتها‪ ،‬وبناء مؤسسات عامة أكثر فاعلية وشموال‪ ،‬وإعادة صياغة‬ ‫الطريقة التي يتم بها تقاسم الثروة النفطية مع المواطنين لتدعيم الحوافز المشج‬ ‫ِّعة على تنويع النشاط االقتصادي‪ ،‬وبناء‬ ‫شبكات أمان للتخفيف من تأثير اإلصالحات على المواطنين‪ .‬وستقطع أجندات اإلصالح الموثوق بها شوطا طويال نحو‬ ‫تعزيز ثقة المستثمرين واألسواق‪ ،‬واحتمال تفعيل حلقة حميدة من تدعيم االستثمارات‪ ،‬بما في ذلك االستثمار األجنبي‬ ‫المباشر‪ ،‬ونمو اإلنتاج في المدى القريب‪.‬‬ ‫ملخص تنفيذي‬ ‫يساعد االرتفاع الجزئي في أسعار النفط العالمية خالل العام الماضي‪ ،‬مدعوماً بقرار منظمة أوبك بتقليص إمدادات النفط‪،‬‬ ‫على دعم ماليات القطاع العام في دول مجلس التعاون الخليجي‪ .‬كما يساعد على تعزيز ثقة المستثمرين في المنطقة‪.‬‬ ‫ً عليه‪ ،‬هناك دالئل تشير إلى بدء تحس‬ ‫ُّن النمو في القطاع غير النفطي بعد أن انخفض إلى أدنى مستوياته‪ ،‬وإن كان‬ ‫بناء‬ ‫ُتوقع استمرار تأث‬ ‫ُّر معدل النمو الكلي سلباً بخفض إنتاج النفط‪ .‬فمن المتوقع أال يزيد معدل النمو الكلي في دول مجلس‬ ‫ي‬ ‫التعاون عن ‪ %1.3‬عام ‪- 2017‬وهو أقل معدل منذ عام ‪ 2009‬مقابل ‪ %1.9‬عام ‪ .2016‬لكن مع تراجع وتيرة التقشف‬ ‫المالي وخطط اإلصالح الرئيسي الجاري اإلعالن عنها في المنطقة‪ ،‬يجري إحياء الثقة والنشاط في القطاع غير النفطي‪.‬‬ ‫على صعيد الموازنة‪ ،‬بدأ العجز في االنخفاض مدفوعا‬ ‫ً بالجهود المبذولة على مدار العامين الماضيين لضبط أوضاع المالية‬ ‫العامة‪ .‬لكن هذا العجزال يزال ضخما في دول المجلس الصغيرة‪ .‬وفي مختلف دول المجلس‪ ،‬يجري تنفيذ إصالحات ألنظمة‬ ‫دعم الطاقة‪ .‬وتحاول هذه الدول أيضا زيادة اإليرادات غير النفطية‪ .‬فمن المتوقع فرض ضريبة القيمة المضافة على مستوى‬ ‫دول المجلس في عام ‪ .2018‬ومن المرجح إجراء إصالحات رئيسية ‪-‬تقود المملكة العربية السعودية المنطقة باإلعالن عن‬ ‫عشرة برامج إصالحية إستراتيجية تتضمن إصالحات هيكلية شاملة على مستوى الموازنة والقطاعات االقتصادية كلها‪ .‬لكن‬ ‫ال تزال هناك تحديات تتعلق بالتنفيذ‪.‬‬ ‫ُعد إصدار سندات الدين السيادي لدول مجلس التعاون الخليجي خالل العامين الماضين من بين أكبر اإلصدارات المسج‬ ‫َّلة‬ ‫وي‬ ‫لبلدان األسواق الناشئة‪ .‬وكان الطلب على هذه السندات مدعوماً ببحث المستثمرين العالميين عن تحقيق عائد وسط وفرة‬ ‫ُّض لصدمة كبيرة في حجم التبادل التجاري عام ‪ ،2014‬بدأت دول المجلس أيضا تشهد تحس‬ ‫ُّنا‬ ‫السيولة العالمية‪ .‬وبعد التعر‬ ‫في األرصدة الخارجية تماشياً مع ارتفاع أسعار النفط خالل العام الماضي‪.‬‬ ‫وأثر‬ ‫َّ فائض الطاقة اإلنتاجية وتراجع االرتفاع في أسعار المواد الغذائية على معدل التضخم في المنطقة بالرغم من‬ ‫إصالحات دعم الطاقة التي أدت إلى رفع أسعارها‪ .‬ورغم أن البنوك المركزية في دول مجلس التعاون بدأت في رفع أسعار‬ ‫الفائدة بالتوازي مع بنك االحتياطي الفيدرالي األمريكي‪ ،‬فإن السياسة النقدية مازالت تتسم بالتوسع‪ .‬وتحسنت السيولة في‬ ‫القطاع المصرفي خالل األشهر األخيرة تماشياً مع نمو الودائع الحكومية مجددا‪ .‬وتعد دفاتر األصول البنكية مكشوفة‬ ‫للقطاعات العقارية بدول المجلس والتي تشهد تراجع األسعار‪ ،‬لكن البنوك في المنطقة بشكل عام ال تزال تتمتع بمستويات‬ ‫رسملة جيدة‪.‬‬ ‫إجماالً‪ ،‬يُتوقع ارتفاع معدل النمو في المنطقة تدريجيا إلى ‪( % 2.6‬وهو معدل ال يزال متواضعا) في عام ‪ 2019‬مع‬ ‫تراجع وتيرة التقشف المالي وارتفاع مستويات الثقة واإلنفاق بين المستهلكين والمستثمرين‪ .‬ومن المتوقع أيضا أن يظل‬ ‫إسهام صافي الصادرات في النمو ضئيال خالل فترة التوقعات وذلك مع تعزيز اإلنفاق االستثماري للطلب على الواردات في‬ ‫ُّن أرصدة الموازنة والحساب الجاري في دول المنطقة‪ ،‬إال أنه ي‬ ‫ُستبعد عودتها في‬ ‫ظل ضعف الصادرات‪ .‬ومن المتوقع تحس‬ ‫أي وقت قريب إلى مستويات ما قبل عام ‪ 2014‬حيث كانت تحقق فائضا بنسبة تتجاوز ‪ .%9‬ويعني ربط عمالت دول‬ ‫المجلس ب الدوالر األمريكي أنه سيتم تقييد السياسة النقدية تدريجياً بالتوازي مع ما يجري في الواليات المتحدة على المدى‬ ‫المتوسط‪.‬‬ ‫تجدر اإلشارة إلى أن هذه التوقعات عرضة لعدد من المخاطر السلبية‪ .‬فالمساندة التي تقدمها منظمة أوبك حالياً ألسعار النفط‬ ‫من خالل خفضها لإلنتاج قد يتم تقويضها من جانب منتجين بارعين غير تقليديين في أمريكا الشمالية‪ .‬وقد يؤدي تشديد‬ ‫السياسة النقدية األمريكية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية العالمية إلى موجات من االضطراب في األسواق المالية العالمية‬ ‫وتقل‬ ‫ُّب التدفقات الرأسمالية‪ .‬مع العلم أن صناديق الثروة ال سيادية لدول مجلس التعاون لديها استثمارات في الخارج‪،‬‬ ‫والحكومات تواجه عجزا ضخما بحاجة إلى تمويله‪ ،‬كما أن البنوك لها مديونيات مباشرة وغير مباشرة على قطاع‬ ‫العقارات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬سيؤثر أي هبوط حاد في قيمة األصول (على سبيل المثال في إحدى فترات التقلبات المالية العالمية أو‬ ‫ً) على موازنات القطاعين العام والخاص وتكلفة التمويل الم‬ ‫ُقدم لهما‪ .‬وعلى المدى المتوسط إلى‬ ‫نضوب السيولة عالميا‬ ‫البعيد‪ ،‬تؤدي الجهود العالمية لتخفيف آثار تغي‬ ‫ُّر المناخ إلى زيادة ضبابية التوقعات‪.‬‬ ‫على الصعيد المحلي‪ ،‬فإن التحدي الرئيسي هو تنفيذ إصالحات واسعة النطاق‪ .‬ومع انخفاض الضغوط على الموازنة‪ ،‬سيلزم‬ ‫َّل اهتمام السياسات من خفض المصروفات إلى إجراء إصالحات هيكلية أكثر عمقا‬ ‫ً‪ .‬ويناقش القسم المعنون "تحت‬ ‫أن يتحو‬ ‫المجهر" ضرورة إدماج إصالحات الموازنة والقطاع العام في صميم هذه الجهود للمساعدة في تأمين استدامة الموازنة على‬ ‫المدى البعيد والتحفيز على اتباع سلوكيات أكثر إنتاجية وسعياً للكفاءة من جانب الشركات والمواطنين‪ ،‬وهو المطلوب‬ ‫لمساندة أهداف تنويع النشاط االقتصادي على األجل الطويل‪ .‬ومن شأن تدعيم أنظمة إدارة االستثمارات العامة أن يساعد في‬ ‫تحسين جودة اإلنفاق االستثماري وفي البنية التحتية بدول مجلس التعاون‪ ،‬وهو ما يؤدي بدوره إلى تحفيز إمكانات‬ ‫المعروض بهذه الدول على المدى البعيد‪ .‬وأخيراً‪ ،‬فمن خالل تعزيز ثقة المستثمرين واألسواق‪ ،‬يمكن ألجندات اإلصالحات‬ ‫الموثوق بها أن تؤدي إلى تفعيل حلقة حميدة من تدعيم االستثمارات‪ ،‬بما في ذلك االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬ونمو اإلنتاج‬ ‫في المدى القريب‪.‬‬